• Sami El Solh Highway Facing Justice Palace
  • +9611611717

مصارف تُوسّع عمولاتها بحجّة تمويل المصاريف وبغياب الرقابة… “على من تقرأ مزاميرك يا منصور”؟

من دون أي شكّ،  إن ال#تعاميم المتنوّعة التي أصدرها مصرف لبنان بعد الأزمة النقدية عام 2019، أنتجت سلسلة مخالفات في تطبيق الإجراءات، ارتكبها بعض ال#مصارف بحجة شحّ العملة الصعبة، واتساع حجم المصاريف، مستفيداً من غياب كلّي للجنة الرقابة والحملة الموجهة ضدّ “المركزي”.

 يقول حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري: “ليس هناك مصرف مركزي في العالم يصدر تعاميم لإنقاذ أزمة مالية. التعاميم الصادرة مؤقتة ولم تصدر لتكون مكان الدولة”.

في المفهوم القانوني، جميع التعاميم التي صدرت عن مصرف لبنان بعد تشرين الأول 2019، خصوصاً المتعلقة منها بسقف السحوبات من الودائع بالعملات الأجنبية وتحويلها كلياً أو جزئياً إلى الليرة اللبنانية على أسعار صرف للدولار أقل من المعدلات الواقعية المتعامَل بها، هي تعاميم غير دستورية. كانت نتيجتها اقتطاعات ضخمة ناهزت أكثر من 80 في المئة للتعويض عن خسارات المصارف، وأيضاً خسارة مصرف لبنان، ما أثار انتقاد بنك التسويات الدولية لانعكاساتها التضّخمية.

فهي من وجهة نظر أحد خبراء المال “تمسّ بالملكية الفردية وبالاقتصاد الحرّ، وتداعياتها ستدوم على مدى أجيال بعد فقدان الثقة بالقطاع المصرفي الذي كان يعتزّ به لبنان أمام المحافل الدولية، كونه شكّل رافعة مهمّة في الاقتصاد، جذب الودائع الخليجية والأجنبية، حتى في غمرة الأزمة العالمية المالية عام 2008.

كما أنها تخالف بشكل صارخ المادة 307 من قانون التجارة التي تشير صراحة إلى حقّ المودع باسترداد وديعته بقيمة معادلة لها”.

يقول منصوري: “لن أقف بوجه المودع لأخذ وديعته على سعر 90 ألفًا بالليرة اللبنانية إذا لحظت ذلك موازنة 2024”.

الليرة اللبنانية فقدت 97 في المئة من قيمتها. وللأسف، القطاع المصرفي يوصّف من قبل الداخل والخارج بأنه بات قطاع زومبي، والأسواق المالية والمصرفية تحوّلت إلى أسواق صرافة وصيرفة غير نظامية.

وحتى تاريخه لم يجرؤ منصوري الذي تشجّع وأعلن رفضه إقراض الدولة من أموال المودعين، بعدما تم شفط القسم الأكبر منها في وقت سابق، على وقف العمل ببعض التعاميم ولاسيما التعميم 151، عمّم على المصارف مؤخراً بوجوب عدم أخذ أي عمولات أو رسوم على السحوبات بموجب التعميم رقم 158.

ولكن “على من تقرأ مزاميرك يا منصور” ؟

ثمة تفهّم واضح أن المصارف ليست جمعية خيرية. “ولتغطية النفقات الضرورية للمحافظة على الودائع وتأمين السحوبات، فهي ملزَمة باقتطاع نسبة محددة وتسجيل عمولات”، كما يدافع مصدر مصرفي. إلاّ أن الحقيقة في مقلب آخر؛ فالمصارف حققت أرباحاً لم تفصح عنها من خلال صيرفة التي كانت لخدمة كبار المدراء والموظفين فيها على حساب المودعين.

وبالإضافة إلى العمولات بالفريش دولار، ما زالت تحصّل المصارف فوائد على سندات الخزينة بالليرة. إقفال الفروع، وصرف الموظفين بشكل ناشط، وتقليص عملياتها، تدابير تخفّف من حجم نفقاتها مع تراجع تكاليف انفلاش خدماتها.

قد يكون بعض أصحاب المصارف ضحيّة السياسات الحكومية والمالية والنقدية، ولكن لا يمكنها اقتناص العمولات على كل الأموال الخارجة والداخلة إلى فروعها بحجة المصاريف التشغيلية.

في الماضي أو الزمن الجميل، كانت جمعية المصارف تضع الحد الأدنى للعمولات الواجب على المصارف تقاضيها. والأخيرة كانت تُعفي عملاءها من الكثير من العمولات، أو تتقاضى بدلاً رمزياً.

لكنّ الأزمة نزعت عن المركزي دوره كضابط إيقاع. وجمعية المصارف أمام تشعّب مشاكل القطاع، اختارت الحياد وعدم التدخل بأي شأن داخلي.

ويبقى من الأسئلة المطروحة: هل يجوز للمصارف مخالفة تعاميم “المركزي”؟ ولماذا لجنة الرقابة على المصارف مغيّبة ولم نشهد لها أي تدبير يثبت حضورها؟

وفق توضيح لرئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص لـ”النهار”، أنه “بمقتضى قانون النقد والتسليف فإن عدم تقيّد المصارف بالتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان يعرّضها للعقوبات المنصوص عنها في القانون المذكور، حيث إن المادة 208 منه تنصّ على أنه “سواء خالف مصرف أحكام نظامه الأساسي أو أحكام هذا القانون أو التدابير التي يفرضها المصرف المركزي، بمقتضى الصلاحيات المستمدة في هذا القانون، أو قدّم بيانات أو معلومات ناقصة، أو غير مطابقة للحقيقة، يحقّ للمصرف المركزي أن يُنزل بالمصرف المُخالف العقوبات الإدارية التالية: التنبيه، خفض تسهيلات التسليف المُعطاة أو تعليقها، تعيين مراقب أو مدير مؤقت، شطبه من لائحة المصارف. ولا يحول ذلك دون تطبيق الغرامات والعقوبات الجزائية التي يتعرّض لها المصرف المخالف”.

ويتابع مرقص “خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تمرّد عدد من المصارف على التعاميم الرقابية وتجرأ على مخالفتها غير آبه بسلطة مصرف لبنان التي لا بد أنها ضعفت نتيجة الأزمة المذكورة والحملات التي استهدفت “المركزي ” وأداء الحاكمية. وإن العميل الذي يقع ضحية هذه الممارسات المصرفية ليس له عملياً أي مجال جدي للتظلّم، إذ أن قسم الشكاوى المُنشأ في المصارف اللبنانية بموجب التعميم رقم 281 هو على الغالب مجرّد “فولكلور”.

وكذلك، فإن الرجوع إلى لجنة الرقابة لا يؤدي الغرض منه، لأن الهيبة التي كانت للمصرف المركزي ساطعة قبل الأزمة، اضمحلّت مع مرور 3 سنوات”.

يذكر في هذا السياق، أن لجنة الرقابة على المصارف وجّهت التعميم الرقم 281 إلى المصارف وهو يتضمّن “أصول إجراء العمليات المصرفية المالية مع العملاء” وفيه، أنه “استناداً إلى تعميم مصرف لبنان الرقم 134 الصادر في 12 شباط 2015، بما ينصّ على أن “يُنشئ كل مصرف وحدة مختلفة لمتابعة معاملات وشكاوى الزبائن، تكون مستقلة تتبع مباشرة للمدير العام للمصرف، وتملك الصلاحية الكاملة في التعامل مع الأطراف المعنية كافة، وحق الاطلاع على جميع الوثائق والتقارير والمعلومات الضرورية لتنفيذ مهامها. أما المصرف المخالف للتعميم فيتعرض للعقوبات المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف”.

ولكن للأسف، “معظم هذه الوحدات شبه معطلّة. والمصارف بدل ترتيب أوضاعها واستعادة ثقة المودعين بها، تسترسل في الاستنسابية من أجل تعويض خسائرها من الفوائد على التسليفات، على غرار التاجر الذي يعود للتفتيش في دفاتره القديمة عندما يصبح مفلساً، وفق مرقص. كما أن القطاع المصرفي “لن يتعافى إذا لم تتم المصالحة مع المودع. لا قطاع مصرفياً بدون مودع. يجب العمل على إعادة ثقة المودع بالقطاع المصرفي للنهوض بالاقتصاد”، ولكن متى تأتي الساعة في ظل هذا الاستهتار؟!

المصدر: النهار